القائمة الرئيسية

الصفحات

إنفعال العوالم الكونية وأسرار الحوقلة

إنفعال العوالم الكونية وأسرار الحوقلة


ahly1
إنفعال العوالم الكونية وأسرار الحوقلة


إنفعال العوالم الكونية وأسرار الحوقلة


إنفعال العوالم الكونية وأسرار الحوقلة خفايا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ من قال (إن الله معنا) فلا يخاف من شياطين الإنس والجن ,

 ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ) ( الإستعاذة بين أولياء الله وأولياء الجن ) هكذا ينصرف الشيطان عنك ؟ 

بسم الله ، توكلت علي الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ . وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنبتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، وْ لاَ إِلَهَ غيْرُكَ لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك وجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك هكذا أمرنا رسول الله فماذا فعلنا ؟ قبل أن تقوم قيامتنا ؟ 

 * فهرس الموضوع : 


 1- هكذا ينصرف الشيطان عنك ؟ 
2- العبودية .. وانفعال العوالم الكونية ؟ 
3- لماذا النبي هو الإنسان الكامل ؟ 
4- الاستعانة بالله وتفويض الأمر لله .. باب الله الحصين ؟ 
5- بسم الله ، توكلت علي الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ 
6- أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ . وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ ؟ 
7- اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنبتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ ؟ 
8- لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، وْ لاَ إِلَهَ غيْرُكَ ؟
 9- لماذا محمد حق .. ؟ 
10- وجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك ؟ 
11- لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك ؟ 
12- حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ؟ 
13- ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهم ؟ 
14- من قال (إن الله معنا) .. فلا يخاف من شياطين الإنس والجن ؟
 15- قال : الله .. فأصبح قاهرا غير مقهور ؟ 
16- هكذا أمرنا رسول الله فماذا فعلنا .. 

قبل أن تقوم قيامتنا ؟ 


مقدمة هامة :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ونستكمل هنا التعرف على كلام النبي صلى الله عليه وسلم .. وكيف كان يدعو الله في كل أحواله .. وهو متوكلا على الله لا يطلب سواه .. ونتعلم منه أن هناك فرق بين من يقول وبين من يعمل .. لأن رسول الله كان يقول بلسانه وقلبه .. ويترجم ذلك بفعله في الواقع باتباع منهج الله . 

 * فكلنا ندعو ونتوجه إلى الله .. ولكن مَن الذي تنفعل معه الدعوات النبوية أو الآيات القرآنية حينما يتوجه بها إلى الله ؟!.. إلا إذا كان متبع للنبي وعاملا بمنهج القرآن كما طُلب منه .. قدر استطاعته ..!! أليس هذا هو العدل ..!! أن يعطيك بقدر ما تجتهد في طلبك لله مخلصا له الدين ؟ أم يعطيك بلا عمل ولا اجتهاد ولا عبودية ؟!! 

 * كفاية ظلم لأنفسنا يا سادة .. ولنطلب الله بصدق حتى تنفعل معنا الدعوات والآيات بحق .. !!

 * لا تنسى .. أن هذه التوجهات والأدعية النبوية .. هي من الروحانيات في الإسلام .. هذا لمن كان يريد الروحانيات بحق .

 * ويتبقى سؤال تسأله لنفسك بعد التوجهات النبوية التي ستجدها في هذا الفصل . وهو : إذا كانت الإستعانة والإعاذة والتوسل والتوجه والتوكل والتفويض وطلب المدد من الله ؟ فلماذا يتم الطلب من غيره .. في أمور لا يستطيع احد دفعها وصرف الشر فيها إلا الله وحده .. والتي منها صرف أذى الشياطين (لأنها خصوصية ربانية) ؟ 

 الجواب هو : أنه لما يأسوا (خدام الجن وأولياؤه) من رحمة الله (لأنهم يبغضون منهج الله ولا يريدون إتِّبَاعه) لأنه ثقيل عليهم أن يعملوا بمنهج الله .. فتوجهوا للجن ليرحمهم ويأنسوا بهم من دون الله .. فزادوهم (الجن) رهقا ووحشة وهم وغم وكرب .. حتى نعلم أن هؤلاء آيسون من رحمة الله .. ولا يصح التواصل معهم بأي حال من الأحوال .. ومن يتواصل مع هؤلاء الروحانيين الفاسدين (خدام الجن وأولياؤه) فلا يلومن إلا نفسه على ما سيحدث من خراب في بيته وفي نفسه .. !! نبدأ بسم الله .. توكلت على الله .

هكذا ينصرف الشيطان عنك:


 بصدق الإستعانة والإعاذة والتوكل والتفويض والخضوع لله رب العالمين إذا عرفنا الأصول الثلاث التي اعتمدها النبي صلى الله عليه وسلم .. كما جاءت في ختام سورة الجن .. فتعالوا معي نرى بعض الدعوات التي كانت تشير لهذه الأصول الثلاثة .. حتى نتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم .. وسنتعلم من النبي من خلال قوله وفعله .. فماذا كان يقول متوجها إلى الله مستعينا به ؟.. وكيف كان يترجم قوله في الواقع كتطبيق عملي .. ؟! أولا : التوجهات القولية للنبي بصدق الاستعانة والتعلق بالله ..:: الحديث الأول ::.. :: بسم الله ، توكلت علي الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله :: 1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله ، توكلت علي الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله .. يقال له حينئذٍ: هُديت، وكُفيت، ووقيت، فيتنحى له الشيطان. ويقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي، وكُفي، ووقي)). 

 * قال الشيخ المظهري رحمه الله : قوله: "فيقال له هديت"؛ أي: فينادي مَلَك: يا عبد الله! فإذا ذكرت اسم الله فقد هُديت ؛ أي: رزقت إصابة الحق ووجدان الطريق المستقيم ، ويسَّرَ لك أمورك. "وكفيت"؛ أي: ودفع عنك همك. "ووقيت"؛ أي: حُفِظت من شر أعدائك من الشيطان . "فيتنحى عنه الشيطان"؛ أي: يبتعد عنه إبليس عليه اللعنة ، ويحتمل أن يريد بالشيطان ها هنا : شيطانه الموكل عليه . "ويقول شيطان آخر: كيف لك برجل هدي"؛ يعني: يقول شيطان آخر للشيطان الموكَّل على قائل هذه الكلمات: كيف تقدر على إضلال هذا الرجل ؛ فإنه حُفِظَ من شر الشياطين ببركة اسم الله تعالى ؟! المفاتيح في شرح المصابيح ج3 ص231 

 * قال الشيخ الطيبي رحمه الله : فإنه إذا استعان العبد بالله ، وباسمه المبارك ، فإن الله تعالي يهديه ، ويرشده ، ويعينه في الأمور الدينية والدنياوية ، وإذا توكل علي الله وفوض أمره إليه ، كفاه الله فيكون هو حسبه ، (ومن يتوكل علي الله فهو حسبه)، ومن قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) وقاه الله شر الشيطان ، ولا يسلط عليه . شرح المشكاة للطيبي ج6 ص1905 وقال الشيخ المناوي رحمه الله : (لا حول ولا قوة إلا بالله) أَي لَا حِيلَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بتيسيره وإقداره . التيسير بشرح الجامع الصغير ج2 ص245

 * قال الشيخ المباركفوري رحمه الله : فإن قلت : بم علم الشيطان أنه هدي وكفي ووقي ؟

الموضوع :


 قال ابن حجر: علم من الأمر العام أن كل من دعا بهذا الدعاء المرغب من حضرته - صلى الله عليه وسلم - استجيب له. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج8 ص195-196 * قلت (صاحب الموضوع) : انتبه لكلام بن حجر رحمه الله .. حيث أنه يوضح حقيقة شرعية كونية .. تكلمنا عنها سابقا حينما تكلمنا عن انفعال الوجود معك بسر دعاء النبي .. 

 * فابن حجر يشير إلى أن هذا الدعاء طالما أنت تذكر به الله لأنك متبعا لرسول الله .. فهنا يحدث لك انفعال الوجود معك .. واستجابة الله لك بالمدد اللازم .. فليس الأمر أنه مجرد استعانة وتفويض وخضوع لرب العالمين فقط .. لا .. بل لأنك أخذت هذه الاستعانة والتفويض والخضوع من رسول الله وتوسلت بها إلى الله .. فهذا كلام عرفاني جليل,

فانتبه :


 * ولو قلت ما فائدة ذلك ؟ قلت لك .. قد لا تكون مستعينا ومفوضا وخاضعا كما طلب منك مولاك .. فالذكر هنا لا ينفعل معك بركته كما تحسب وتظن .. ولكن تأتي نيتك في اتباع الرسول بانك تقول بقول النبي وتفعل فعله .. فهنا تنفعل لك الموجودات بسر وبركة اتباع الرسول لأنك تكون قد دخلت بوابة محبة الله لصدق اتباعك للنبي حتى ولو كنت مقصرا في استعانتك وتفويضك وخضوعك لله .. وكل هذايندرج تحت قوله تعالى (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران31 

 ( الدعاء والعبودية وانفعال العوالم الكونية ) 

 قبل أن تقول أنك دعوت الله .. فاسأل نفسك : وهل أنت تحققت والتزمت بعبوديتك لله كما طلب منك ؟ فالله يريد تحقيق العبودية أولا .. حتى تنفعل له كل العوالم الكونية .. فبغير تحقيق العبودية .. فانت لا شيء في الكون .. ..:: العبودية .. وانفعال العوالم الكونية ::.. فلما حقق النبي صلى الله عليه وسلم العبودية بالدعاء والتوسل فقال : ( اللهم ) بصدق وإخلاص .. انفعلت له الأكوان بالإستغاثة لتحقيق طلبه تنفيذا لكلمات الله (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر60 .. فكانت الاستغاثة بألف من الملائكة .. كما حدث في معركة بدر الكبرى !! * ولذلك قال الحق سبحانه ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) الأحزاب21 .. فبغير التحقق من رسول الله .. فأنت لا شيء .. ولن تنال المحبة الإلهية إلا باتباعه ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران31 .. 

 * ولذلك يطلق العارفون بالله على سيدنا رسول الله صفة ( الإنسان الكامل ) .. لماذا ؟ لتحقيقه العبودية الكاملة لله بما لم يحيط بها إنسان ولا جان ولا ملاك أو نبي أو رسول أو أي مخلوق أوجده الله أو سيوجده الله .. في أي زمن من الأزمان .. ولذلك كان له من خصوصيات العطاء الإلهي ما ليس لمخلوق مهما بلغت درجته ومقامه .. ويظهر لك هذا واضحا وجليا فيما اختصه الله به يوم القيامة .. 

 * ولم يحقق أحد في العالمين العبودية الكاملة لله سوى صلى الله عليه وسلم فقط .. ولذلك أدخله حضرة "قاب قوسين أو أدنى" .. فافهم قدر سيدنا ومولانا رسول الله .. وافهم مقاصد العارفين من كلماتهم .. وإياك بأن تحملها محمل خطأ ومضلل كما يفعل بعض المتمصوفة ..

 * لماذا كان العارفون بالله - يهتمون بدعاء النبي ويتحققون به .. لماذا ؟ * لأن هناك إذن كوني بالإستجابة لمن التزم بهذا الدعاء النبوي لتحقيق العبودية الكاملة فيه .. ولذلك كانت تنزل عليهم سحائب رحمة الله باللطف والمحبة الإلهية .. فحينما تقول دعاء عن النبي .. فالعوالم الكونية تنظر إليك .. والإستغاثة الربانية تبدأ بالإحاطة بك .. ليس لأنك أنت من قال .. بل لأن قائلها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فافهم هذا الكلام فإنه دقيق جدا .. وسيحل لك ألغاز كثيرة وستفهم بها كلام أهل الله المحققين ..!! * هذا الجزء السابق منقول من موضوع - الدعاء والعبودية .. وانفعال العوالم الكونية لدعاء النبي ؟ لماذا سيدنا محمد هو الإنسان الكامل ؟ 

الحديث الثاني :


 :: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ :: 2- وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: ( بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا ) . 

 * قال الإمام المناوي رحمه الله : فَإِذا اسْتَعَانَ العَبْد بِبسْم الله هداه وأرشده وأعانه فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة والدنيوية وَإِذا توكل عَلَيْهِ وفوض أمره إِلَيْهِ كَفاهُ فَيكون حَسبه . التيسير شرح الجامع الصغير ج2 ص246 

 * قال الشيخ بن الملك رحمه الله : "اللهم إنا نعوذُ بك من أن نَزِلَّ"، من الزَّلَّة؛ أي: عن الحق. "أو نضَلَّ"؛ أي: من الضلالة ؛ أي: عن الحق. "أو نُضَلَّ" علي بناء المجهول أي: أضلني أحدٌ. "أو نَظْلِم"؛ أي: أحدًا. "أو نُظْلَم"، علي بناء المجهول؛ أي: من أحد. "أو نجهَل"؛ أي: الحقَّ. "أو يُجْهَلَ علينا"؛ أي: يفعلَ الناسُ بنا فِعلَ الجُهّال من إيصال الضرر إلينا. شرح المصابيح لابن الملك ج2 ص203 * قال الشيخ المباركفوري رحمه الله : قوله: (قال بسم الله) أي: خرجت مستعينًا بذكر اسم الله (توكلت على الله) أي: اعتمدت عليه في جميع أموري (اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل) أي: من أن نقع في ذنب ومعصية من الزلل .. يقال: زلت رجله إذا زلفت والزلة الزبقة وهي هنا كناية عن وقوع الذنب من غير قصد . وقال القاري: (نَزِلَّ) أي: عن الحق .. وهو بفتح النون وكسر الضاد من الضلالة ,

.. وهو ضد الرشاد والهداية أي: نضل عن الحق .. وقال القاري: أي: عن الهُدى (أو نظلم) بفتح النون وكسر اللام على بناء المعلوم أي: أنفسنا أو أحدًا .. (أو نظلم) بضم النون وفتح اللام على بناء المجهول أي: من أحد .. والأفعال الثلاثة من باب ضرب .. (أو نجهل) بفتح النون على بناء المعروف أي: أمور الدين أو حقوق الله أو حقوق الناس أو في المعاشرة أو في المخالطة مع الأصحاب أو أن نفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء وإيصال الضرر إليهم .. (أو يجهل علينا) بضم الياء على صيغة المجهول أي: يفعل الناس بنا أفعال الجهال من إيصال الضرر إلينا. 

 * قال الطيبي : الزلة السيئة بلا قصد .. استعاذ من أن يصدر عنه ذنب بغير قصد أو قصد ، ومن أن يظلم الناس في المعاملات أو يؤذيهم في المخالطات . أو يجهل أي: يفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء .. قال: ومن خرج من منزله لا بد أن يعاشر الناس ويزاول الأمور فيخاف أن يعدل عن الصراط المستقيم .. فإما أن يكون في أمر الدين فلا يخلو من أن يضل أو يضل .. وإما أن يكون في أمر الدنيا .. فإما بسبب جريان المعاملة معهم بأن يظلم أو يظلم وإما بسبب الاختلاط والمصاحبة فإما أن يجهل أو يجهل عليه .. فاستعيذ من هذه الأحوال كلها بلفظ سلس وجسر ومتن رشيق وروعي المطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية كقول الشاعر: ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا والقصد من ذلك تعليم الأمة وإلا فهو - صلى الله عليه وسلم - معصوم من الظلم والجهل . مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج8 ص194

 الحديث الثالث :


أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ . وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ :: 3- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: ( اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ . وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ . وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ . وَبِكَ خَاصَمْتُ . اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي . أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ . وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ ) . 

 * قال الشيخ المناوي رحمه الله : (اللَّهُمَّ لَك أسلمت وَبِك آمَنت وَعَلَيْك توّكلت وَإِلَيْك أنبت) أَي رجعت وَأَقْبَلت بهمتي (وَبِك خَاصَمت) أَي بك أحتج وأدافع وأقاتل (اللَّهُمَّ أَنِّي أعوذ بعزتك) أَي بقوّة سلطانك (لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أَن تضلني) أَي تهلكني بِعَدَمِ التَّوْفِيق للرشاد (أَنْت الْحَيّ القيوم) الدَّائِم الْقَائِم بتدبير الْخلق (الَّذِي لَا يَمُوت) بِالْإِضَافَة للْغَائِب للْأَكْثَر وَفِي رِوَايَة بِلَفْظ الْخطاب (وَالْجِنّ وَالْإِنْس يموتون) عِنْد انْقِضَاء آجالهم . التيسير شرح الجامع الصغير ج1 ص217 

 * قال الشيخ المباركفوري رحمه الله : قوله: (اللهم لك) أي: لا لغيرك (أسلمت) أي: انقدت (وبك آمنت) أي: صدقت يعني انقدت لأمرك ونهيك وصدقت بك وبما أنزلت وأرسلت (وعليك توكلت) أي: إليك فوضت أموري كلها أو عليك لا غيرك اعتمدت في تفويض أموري (وإليك أنبت) أي: رجعت مقبلاً بقلبي عليك أو أقبلت بهمتي وطاعتي عليك وأعرضت عما سواك (وبك) أي: بقوتك ونصرك وإعانتك إياي (خاصمت) أي: حاربت أعداءك وقاتلتهم، أو بما آتيتني من البراهين والحجج خاصمت من خاصمني من الكفار (اللهم إني أعوذ بعزتك) أي: بغلبتك فإن العزة لله جميعًا . وقيل: أي: بقوة سلطانك .. (أن تضلني) بضم التاء من الإضلال وهو متعلق بأعوذ أي: من أن تضلني .. وكلمة التوحيد معترضة لتأكيد العزة يعني : أن تهلكني بعدم التوفيق للرشاد والهداية والسداد . قال في الصحاح: ضل الشيء يضل ضلالاً، ضاع وهلك، والضلال والضلالة ضد الرشاد، وأضله وأهلكه.

 * وقال القاري: أي: أعوذ بك من أن تضلني بعد إذ هديتني ووفقتني لانقياد الظاهر والباطن في حكمك وقضاءك وللإنابة إلى جنابك والمخاصمة مع أعدائك والالتجاء في كل حال إلى عزتك ونصرتك وفيه إيماء إلى قوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) آل عمران8 .

 * (أنت الحي الذي لا يموت) بلفظ الغيبة وعند أحمد تموت بالخطاب أي: الحي الحياة الحقيقية التي لا يجامعها الموت بحال وهذا لفظ مسلم .. وللبخاري: (أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت) . واستغنى عن ذكر عائد الموصول في هذه الرواية في قوله: (بعزتك الذي لا إله إلا أنت) لأن نفس المخاطب هو المرجوع إليه وبه يحصل الارتباط وكذلك المتكلم نحو:"أنا الذي سمتني أمي حيدره" .. لأن نسق الكلام سمته أمه . 

 * (والجن والإنس يموتون) خصا بالذكر لأنهما المكلفان المقصودان بالتبليغ فكأنهما الأصل . قال الحافظ : استدل به على أن الملائكة لا تموت ولا حجة فيه لأنه مفهوم لقب ولا اعتبار له وعلى تقديره فيعارضه ما هو أقوى منه وهو عموم قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} القصص88 .. مع أنه لا مانع من دخول الملائكة في مسمى الجن لجامع ما بينهم من الاستتار عن عيون الإنس . مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج8 ص224 

 الحديث الرابع "


لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، وْ لاَ إِلَهَ غيْرُكَ :: 4- عن ابن عباس قال : كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يتهَجَّدُ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، ولكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحقُّ، وَوَعدكُ الحقُّ، وبقَاؤُكَ حَقٌّ، وقَوْلُكَ حَقٌّ، والجنَّةُ حقٌّ، والنَّارُ حقٌّ، والنَّبيونَ حَقٌّ، ومُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم – حَقٌّ ، والسَاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنبتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، وْ لاَ إِلَهَ غيْرُكَ-"، 

* وفي رواية تم زيادة في آخرها : "وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ". 


 * قال الإمام شمس الدين البِرْماوي رحمه الله : (قيم) معناه: قَيُّوم وقَيَّام واحدٌ، وهو القائم بتدبير الخَلْق، ومعطيه ما به قِوامه، أو القائم بنفسه المُقيم لغيره. (نور)؛ أي: مُنوِّر، أي: خالق النُّور، والمُنَزَّه عن كل عَيبٍ؛ من قول العرب: امرأةٌ منوَّرةٌ، أي: مُبَرَّأةٌ من كلِّ ريبةٍ. (أنت الحق)؛ أي: واجبُ الوُجود، مِن حَقَّ الشيءُ: ثبَتَ ووَجبَ، وهذا الوصْفُ لله بالحقيقة والخُصوصية، أو وجودُه بنفسه، فلا يَسبقُه عدَمٌ، ولا يلحقُه عدَمٌ، وما عداه بخلاف ذلك، ولهذا كان أَصدق كلِمةٍ قالها الشَاعر كلمةُ لَبِيْد: أَلا كُلُّ شَيءٍ ما خَلا اللهَ باطِلٌ وأما إطلاق الحقِّ على ما بَعُدَ من اللِّقاء والسَّاعة والوَعْد، فلأنَّها كائنةٌ باختياره تعالى ، فيجب أن يُصدِّق بها، فعبَّر فيها بالحقِّ تأكيدًا وتَفخيمًا. (ووعدك)؛ أي: إخبارُك بخيرٍ أو شَرٍّ، ولكن أكثر ما يُستعمل في الخير، ويقال: في الشِّرِّ وعيدٌ، ومن القليل: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) البقرة: 268 . (ولقاؤك) هو البعث، أو رُؤية الله تعالى، وهو داخلٌ فيما قبلَه، فهو من عطفِ خاصٍّ على عامٍّ، كما عُطف عامٌّ على خاصٍّ في قوله: وقولُك، أو المراد بالوعد المصدر، ثم ذكَر بعده المَوعودَ به. (وقولك حق)؛ أي: مدلولُه ثابتٌ، فصِدْق القَول مُطابقته للواقع، وحقيقةٌ بالنظَر للواقع المطابِق للقَول، فهما متلازِمان، وفي "مسلم": "وقولُكَ الحَقُّ" بالتَّعريف . 

 * وقال الطِّيْبِي: عرَّفَ في حقِّ الله ؛ لأن ما سِواه في مَعرِض الزَّوال، وفي وعده لاختصاصه بالإنجاز دون وَعْد غيره، والتَّنكير في البَواقي للتَّعظيم .. وخصَّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وعمَّم في النَّبيين ؛ للإشارة إلى مُغايرته بأنَّه فائقٌ عليهم بما خصَّه الله به ، فإنَّ تغيير الوَصْف بمنزلة تغايُر الذات . (أسلمت)؛ أي: استَسلمتُ لأَمْرك ونهيك. (توكلت)؛ أي: فوَّضْتُ الأَمْرَ إليك قاطِعًا نظَري عن الأسباب العادية. (أنبت)؛ أي: رجعتُ إليك مُقبِلًا بالقَلْب عليك. (خاصمت)؛ أي: رفعتُ إليك مَنْ يَجحَدُ الحق، وجعلتُك الحاكم بيني وبينهم لا غيرُك ممن كان يتحاكَمُ إليه الجاهلية من صنَمٍ، وكاهنٍ، ونارٍ، ونحوه. وقدَّم صِلاتِ هذه الأفعال للتخصيص، وإفادةِ الحَصْر. (فأغفر) هو تواضعٌ وإجلالٌ الله تعالى، وتعليمٌ للأُمة، وإلا فهو معصومٌ مما يُغفَر. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح ج5 ص8-11

 * قال المباركفوري رحمه الله : قوله: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يتهجد) أي يصلي صلاة الليل، وهو حال من فاعل "قام" وأصل التهجد ترك الهجود، وهو النوم. وقال ابن فارس: المتهجد المصلي ليلاً ، ذكره القسطلاني. وقال الحافظ: تفسير التهجد بالسهر معروف في اللغة، وهو من الأضداد يقال: تهجد إذا سهر وتهجد إذا نام، حكاه الجوهري وغيره.. وقال الطبري: التهجد السهر بعد نومة ثم ساقه عن جماعة من السلف. وقال الفخر الرازي في تفسيره: قال الأزهري المعروف في كلام العرب أن الهاجد هو النائم ، ثم أن في الشرع يقال لمن قام من النوم إلى الصلاة أنه متهجد .. (قال) في موضع نصب خبر "كان" و"إذا" المجرد الظرفية، أي كان عليه السلام عند قيامه من الليل متهجداً يقول . وفي رواية مالك ومسلم وغيرهما من أصحاب السنن كان يقول: (إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل) . 

 * قال الحافظ : ظاهر السياق أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة ، وترجم عليه ابن خزيمة : الدليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول هذا التحميد بعد أن يكبر .. ثم ساقه من طريق قيس بن سعد عن طاووس عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (إذا قام للتهجد قال بعد ما يكبر اللهم لك الحمد) - انتهى. قلت: ولأبي داود من هذا الطريق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في التهجد يقول بعد ما يقول الله أكبر. (اللهم لك الحمد) . تقديم الخبر للدلالة على التخصيص. 

 * (أنت قيم السماوات والأرض) أي القائم بأمره وتدبيره السماوات والأرض وغيرها . وفي رواية: قيَّام ، وفي أخرى قيوم ، وهي من أبنية المبالغة ، وهي من صفات الله تعالى، ومعناه واحد. وقيل: القيِّم معناه القائم بأمور الخلق ومدبر العالم في جميع أحواله .. والقيَّام القائم بنفسه بتدبير خلقه المقيم لغيره .. والقيوم من أسماء الله تعالى المعدودة ، وهو القائم بنفسه مطلقاً لا بغيره وهو مع ذلك يقوم به كل موجود ، حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به .. وأصل هذه الألفاظ من الواو قيوم وقيوام وقيووم بوزن فيعل فيعال فيعول.. 

 * وكأنه قيل: لم خصصتني بالحمد؟ فقال لأنك أنت الذي تقوم بحفظ المخلوقات وتراعيها وتؤتي كل شيء ما به قوامه وما به ينتفع إلى غير ذلك. وتكرير الحمد المخصص للاهتمام بشأنه وليناط به كل مرة معنى آخر. (ومن) غلب فيه العقلاء. (فيهن) أي في السماوات والأرض. (أنت نور السماوات والأرض) أي منورها وخالق نورهما ، يعني أن كل شيء استنار منهما وأضاء فبقدرتك وجودك والأجرام النيرة بدائع فطرتك والعقول والحواس خلقك وعطيتك. وعند أهل التحقيق هو محمول على ظاهره، والنور عندهم الظاهر بنفسه المظهر لغيره. 

 * (أنت ملك السماوات والأرض) بكسر اللام أي المتصرف فيهما تصرفاً كلياً ملكياً وملكياً ظاهرياً وباطنياً ، لا نزاع في ملكه ولا شريك له في ملكه. وفي رواية: "أنت رب السماوات والأرض". (ومن فيهن) عبر بمن تغليباً للعقلاء لشرفهم وإلا فهو رب كل شيء وملكيه. (أنت الحق) أي المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه.

 * قال القرطبي: هذا الوصف له سبحانه وتعالى بالحقيقة خاص به ، لا ينبغي لغيره إذ وجوده بذاته لم يسبقه عدم ولا يلحقه عدم ، ومن عداه ممن عداه يقال فيه ذلك فهو بخلافه. وقيل: يحتمل أن يكون معناه أنت الحق بالنسبة إلى من يدعى فيه أنه إله أو بمعنى أن من سماك إلهاً فقد قال الحق. 


 * (ووعدك الحق) أي صادق لا يمكن التخلف فيه .. والظاهر أن تعريف الخبر فيه ، وفي قوله "أنت الحق" ليس للقصر ، وإنما هو لإفادة أن الحكم به ظاهر مسلَّم .. لا منازع فيه .. وكأنه لهذا عدل إلى التنكير في البقية حيث وجد المنازع فيها .. بقي أن المناسب لذلك أن يقال وقولك الحق ، كما في رواية مسلم .. فكان التنكير في رواية البخاري للمشاكلة ، قاله السندي . وقال الطيبي: عرَّف الخبر فيهما ونكِّر في البواقي، لأنه لا مُنِكر خلفاً وسلفاً أن الله هو الثابت الدائم الباقي، وما سواه في معرض الزوال. 

 * (ولقاءك حق) أي المصير إلى الآخرة . وقيل: رؤيتك في الدار الآخرة حيث لا مانع . وقيل: لقاء جزائك لأهل السعادة والشقاوة ، وهو وما ذكر بعده داخل تحت الوعد . لكن الوعد مصدر ، وما ذكر بعده هو الموعود به ، ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام كما أن ذكر القول بعد الوعد من العام بعد الخاص .. (وقولك حق) أي مدلوله ثابت . وقد تقدم أن في رواية مسلم: "وقولك الحق" بالتعريف . (والجنة حق والنار حق) أي كل منهما موجود. (ومحمد حق) خص محمداً - صلى الله عليه وسلم - من بين النبيين بالذكر تعظيماً له، وعطفه عليهم إيذاناً بالتغاير، وأنه فائق عليهم عليهم بأوصاف مختصة به .. (والساعة حق) أي يوم القيامة. وأصل الساعة الجزء القليل من اليوم أو الليلة ثم استعير للوقت الذي تقام فيه القيامة، يريد أنها ساعة حقيقة يحدث فيها أمر عظيم. وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها ، وأنها مما يجب أن يصدق بها. وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد. 

 * (لك أسلمت) أي انقدت وخضعت. (وبك آمنت) أي صدقت. (وعليك توكلت) أي فوضت الأمر إليك تاركاً للنظر في الأسباب العادية. (وإليك أنبت) أي رجعت إليك مقبلاً بقلبي إليك. قيل: التوبة والإنابة كلاهما بمعنى الرجوع، ومقام الإنابة أعلى وأرفع. (وبك خاصمت) أي بما أعطيتني من البراهين وبما لقنتني من الحجج خاصمت من خاصمني من أعدائك بتأئيدك ونصرتك قاتلت. (وإليك حاكمت) أي رفعت أمري إليك . والمحاكمة رفع الأمر إلى القاضي. قال الحافظ: أي كل من جحد الحق حاكمته إليك وجعلتك الحكم بيني وبينه لا غير مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم من كاهن ونحوه ، فلا أرضى إلا بحكمك ولا أعتمد غيره.

 * وقدم مجموع صلات هذه الأفعال عليها إشعاراً بالتخصيص وإفادة للحصر.

 * (فاغفر لي) قال ذلك مع كونه مغفوراً له إما على سبيل التواضع والهضم لنفسه إجلالاً وتعظيماً لربه ، أو على سبيل التعليم لأمته لتقتدي به (ما قدمت) أي قبل هذا الوقت. (وما أخرت) أي وما سأفعل أو ما فعلت وما تركت. (وما أسررت وما أعلنت) أي أخفيت وأظهرت أو ما حدثت به نفسي وما تحرك به لساني. (وما أنت أعلم به مني) هذا من ذكر العام بعد الخاص. (أنت المقدم وأنت المؤخر) قال المهلب: أشار بذلك إلى نفسه ، لأنه المقدم في البعث في الآخرة والمؤخر في البعث في الدنيا . وقال عياض: قيل: معناه المنزل للأشياء منازلها يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ، وجعل عباده بعضهم فوق بعض درجات. وقيل: هو بمعنى الأول والآخر، إذ كل متقدم على متقدم فهو قبله، وكل مؤخر على متأخره فهو بعده ، ويكون المقدم والمؤخر بمعنى الهادي والمضل قدم من يشاء لطاعته لكرامته ، وأخر من شاء بقضائه لشقاوته- انتهى. 

 * قال الكرماني: هذا الحديث من جوامع الكلم، لأن لفظ القيم إشارة إلى أن وجود الجواهر وقوامها منه ، وبالنور إلى أن الأعراض أيضاً منه، وبالملك إلى أن حاكم عليها إيجاداً وإعداماً، يفعل ما يشاء كل ذلك من نعم الله تعالى على عباده، فلهذا قرن كلاً منها بالحمد وخصص الحمد به، ثم قوله: أنت الحق إشارة إلى أنه المبدئ للفعل والقول ونحوه إلى المعاش والساعة، ونحوها إشارة إلى المعاد، وفيه الإشارة إلى النبوة وإلى الجزاء ثواباً وعقاباً، ووجوب الإسلام والإيمان والتوكل والإنابة والتضرع إلى الله تعالى والخضوع له- انتهى.

 * وفيه زيادة معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعظمة ربه وعظيم قدرته ومواظبته في الليل على الذكر والدعاء والاعتراف له بحقوقه والإقرار بصدق وعده ووعيده وغير ذلك. 

 * وفيه استحباب تقديم الثناء على المسألة عند كل مطلوب إقتداء به - صلى الله عليه وسلم -. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج4 ص200-202 .. مختصرا,

الحديث الخامس 


لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك :: 5- وعن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلي فراشه نام علي شقه الأيمن ثم قال: ((اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك. آمنت بكتابك الذين أنزلت، ونبيك الذي أرسلت)).وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قالهن ثم مات تحت ليلته مات علي الفطرة)).

 * وفي رواية :


قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل: يا فلان إِذَا أَوَيت إِلَى فِرَاشِك ( فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نفسي إليك ... إلى قوله: أَرْسَلْتَ. ) .. وقال: فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ متَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وإن أصبحت أصبت خيرًا. متفق عليه. 

 * قال المباركفوري رحمه الله : قوله (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه) إلخ. هكذا وقع في رواية العلاء بن المسيب عن أبيه عن البراء من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي عند البخاري في باب النوم (على الشق الأيمن) من كتاب الدعوات ، وكذا رواه في الأدب المفرد، وهكذا وقع في رواية للنسائي في عمل اليوم والليلة .. (نام على شقه) بكسر المعجمة وتشديد القاف أي جانبه (الأيمن) لأنه كان يحب التيامن في شأنه كله (ثم قال: اللهم) .. وفي رواية للنسائي ((كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه توسد يمنيه (أي جعل يده اليمني تحت رأسه من التوسد وهو اتخاذ النائم تحت رأسه وسادة وهي المخدة) ثم قال بسم الله)) 

 * (أسلمت) 


أي سلمت . وقيل: أي أخلصت (نفسي) أي: ذاتي (إليك) أي مائلة إلى حكمك، وقيل أسلمت نفسي إليك أي استسلمت وانقدت. والمعنى جعلت ذاتي منقادة لك طائعة لحكمك إذ لا قدرة لي على تدبيرها ، ولا على جلب ما ينفعها إليها، ولا دفع ما يضرها عنها فأمرها مفوض إليك تفعل بها ما تريد واستسلمت لما تفعل فلا اعتراض عليك فيه (ووجهت وجهي) أي: وجهتي وتوجهي وقصد قلبي (إليك) وقيل: الوجه هنا بمعنى الذات والشخص كالنفس، وفيه نظر لأن الجمع بينهما يدل على تغايرهما فالمراد بالنفس الذات وبالوجه القصد . 

 * (وفوضت أمري إليك) من التفويض وهو تسليم الأمر إلى الله تعالى أي: رددت أمري إليك والمعنى توكلت عليك في أمري كله لتكفيني همه وتتولى صلاحه . 

 * (وألجأت) أي: أسندت (ظهري إليك) أي: اعتمدت في أموري (ومنها القيام لصلاة التهجد ولصلاة الفجر) عليك لتعينني على ما ينفعني لأن من استند إلى شيء تقوَّى به واستعان به تشبيهًا للاستناد المعنوي بالاستناد الحسي بجامع الراحة في كل وخصه بالظهر لأن العادة جرت أن الإنسان يعتمد بظهره إلى ما يستند إليه. 

 * وقال الطيبي: في هذا النظم عجائب وغرائب لا يعرفها إلا النقاد من أهل البيان فقوله: (أسلمت نفسي) إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه، وقوله: (وجهت وجهي) إلى أن ذاته وحقيقته مخلصة له تعالى بريئة من النفاق. وقوله: (فوضت أمري إليك) إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره. وقوله: (ألجأت ظهري إليك) بعد قوله: (فوضت أمري) إشارة إلى أنه بعد تفويض أموره التي هو مفتقر إليها وبها معاشه وعليها مدار أمره يلتجئ إليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب الداخلة والخارجة .. * (رغبة ورهبة) .. علة لكل من المذكورات أي: طمعًا في رفدك وثوابك وخوفًا من غضبك ومن عذابك. (إليك) متعلق برغبة ومتعلق الرهبة محذوف أي: منك .. يدل عليه أنه وقع في الرواية الآتية عند أحمد (ج4: ص296) ، والنسائي (رهبة منك ورغبة إليك) ، وقيل: (إليك) متعلق برغبة ورهبة وإن تعدى الثاني بمن لكنه أجرى مجرى رغب تغليبًا يعني أعطى للرهبة حكم الرغبة . وقال الجزري في النهاية ،وجامع الأصول: قد عطف الرهبة على الرغبة ثم أعمل لفظ الرغبة وحدها ولو أعمل الكلمتين معًا لقال: ((رغبة إليك ورهبة منك)) ولكن هذا سائغ في العربية أن يجمع بين الكلمتين في النظم ويحمل إحداهما على الأخرى في اللفظ ... وكذلك قال البغوي، وابن الجوزي، والطيبي . 

 * (لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك) أي:


 لا مهرب ولا ملاذ ولا مخلص من عقوبتك إلا إلى رحمتك. قال الحافظ: أصل ملجأ بالهمزة ومنجأ بغير همزة ولكن لما جمعا جاز أن يهمزا للازدواج وأن يترك الهمز فيهما وأن يهمز المهموز ويترك الآخر فهذه ثلاثة أوجه ويجوز التنوين مع القصر فتصير خمسة. 

 * (آمنت بكتابك) أي: صدقت أنه كتابك، وهو يحتمل أن يريد به القرآن ويحتمل أن يريد اسم الجنس فيشمل كل كتاب سماوي أنزل (الذي أنزلت) أي: أنزلته (ونبيك الذي أرسلت) . وقع في رواية: (أرسلته وأنزلته) في الأول بزيادة الضمير المنصوب فيهما . (من قالهن) أي: الكلمات المذكورة 

 * (ثم مات تحت ليلته) .. قال الطيبي: معنى (تحت ليلته) أنه لم يتجاوز عنه إلى النهار لأن الليل يسلخ منه النهار فهو تحته يعني أنه يقع ذلك قبل أن ينسلخ النهار من الليل وهو تحته ، قال: أو يكون بمعنى مات تحت نازلة تنزل عليه في ليلته، وكذا معنى (من) في الرواية الأخرى أي: من أجل ما يحدث في ليلته .. وقال ابن حجر: سبب التعبير بالتحت أن الله جعل الليل لباسًا فالناس مغمورون ومستورون تحته كالمستور تحت ثيابه ولباسه (مات على الفطرة) أي: على الدين القويم ملة إبراهيم عليه السلام .. فإن إبراهيم عليه السلام أسلم واستسلم، قال الله تعالى عنه: (جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الصافات 84 ، وقال عنه: (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) البقرة 131 . وقال ابن بطال وجماعة: المراد بالفطرة هنا دين الإسلام وهو بمعنى الحديث الآخر: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) . 

 * قال القرطبي في المفهم: كذا قال الشيوخ وفيه نظر لأنه إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرت من التوحيد والتسليم والرضا إلى أن يموت كمن يقول: لا إله إلا الله ممن لم يخطر له شيء من هذه الأمور فأين فائدة هذه الكلمات العظيمة وتلك المقامات الشريفة ويمكن أن يكون الجواب أن كلاً منهما وإن مات على الفطرة فبين الفطرتين ما بين الحالتين ففطرة الأول فطرة المقربين وفطرة الثاني فطرة أصحاب اليمين. 

 *  الموضوع :

 وقع في حديث رافع بن خديج عند الترمذي وقد حسنه (فإن مات من ليلته دخل الجنة) . ووقع في رواية حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة عند أحمد بدل قوله: (مات على الفطرة) (بنى له بيت في الجنة) قال الحافظ: وهذا يؤيد ما ذكره القرطبي .. 

 * وقال الشيخ أكمل الدين الحنفي في شرحه لمشارق الأنوار فإن قلت: إذا مات الإنسان على إسلامه ولم يكن ذكر من هذه الكلمات شيئًا فقد مات على الفطرة لا محالة فما فائدة ذكر هذه الكلمات؟ أجيب بتنويع الفطرة ففطرة القائلين فطرة المقربين الصاحين ، وفطرة الآخرين فطرة عامة المؤمنين ، ورد بأنه يلزم أن يكون للقائلين فطرتان: فطرة المؤمنين وفطرة المقربين .. وأجيب بأنه لا يلزم ذلك بل إن مات القائلون فهم على فطرة المقربين، وغيرهم لهم فطرة غيرهم - انتهى. 

 * (وفي رواية) للشيخين وغيرهما (قال) ، أي البراء (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل) هو البراء راوي الحديث ففي رواية للبخاري (قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أتيت مضجعك) . وفي رواية للترمذي عن البراء (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ألا أعلمك كلمات تقولها إذا أويت إلى فراشك) ، (إذا أويت إلى فراشك) أي انضممت إليه ودخلت فيه للنوم كما قال في الرواية الأخرى (إذا أخذت مضجعك) أي أتيت مكان نومك وأردت أن تضطجع (فتوضأ) أمر ندب (وضوءك للصلاة) أي كوضوئك للصلاة فهو منصوب بنزع الخافض. قال الترمذي: لا نعلم في شيء من الروايات ذكر الوضوء عند النوم إلا في هذا الحديث. 

 * وفي رواية لأبي داود: (إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك) الحديث. (ثم اضطجع) أصله اضتجع لأنه من باب الافتعال فقلبت التاء طاء (وقال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون من جملة كلام البراء عطف على (قال رسول الله) (فإن مت) بضم الميم وكسرها (من ليلتك) أي في ليلتك (وإن أصبحت أصبت خيرًا) أي خيرًا كثيرًا. أو خيرًا في الدارين. 

 * قال النووي: في هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة. إحداها: الوضوء عند إرادة النوم، فإن كان متوضأ كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه. والثانية : النوم على الشق الأيمن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب التيامن، ولأنه أسرع إلى الانتباه. الثالثة : ذكر الله تعالى ليكون خاتمة عمله - انتهى. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج8 ص117-118 ,

الحديث السادس:


حسبنا الله ونعم الوكيل :: 6- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضًا قال: ((حسبنا الله ونعم الوكيل ، قالها إبراهيم حين أُلقي في النار، وقالها محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ})) رواه البخاري . وفي رواية له يعني: البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ((كان آخر قول إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- حين ألقي في النار حسبي الله ونعم الوكيل، فالتوكل على الله ينجي من الفتن )). 

 * ( الموضوع ) : 


 ما قاله سيدنا بن عباس رض الله عنهما .. دليل على أن صدق التوجه إلى الله .. مستعينا به ومتوكلا عليه .. مُتيقِّنا في وكالته لك .. هو ما ينجيك من فتن الدنيا,

 * قال الشيخ يحيى الشيباني رحمه الله : فمن اتخذ ربه وكيلاً كما قال تعالى : (فاتخذه وكيلاً)، فإن من شرط هذا الاتخاذ أنه إذا قضى لعبده قضاء يكون راضيًا بالقضاء في تلك الوكالة محسنًا ظنًا غير مسي له ؛ فإن الله تعالى لا يختار له إذا اتخذه وكيلاً إلا الأفضل والأجود ، لا سيما وقد جربت أيها الإنسان كيف يتنكب القدر اختياراتك الدنية وأبدلك بها الأمور العلية غير راض أن يجعل إحسانه إليك تابعًا لسوء اختيارك. الافصاح عن معاني الصحاح ج3 ص215,

 ثانيا : التطبيق الفعلي والعملي للأصول الثلاثة النبوية :


الحديث الأول :

من قال (إن الله معنا) .. فلا يخاف من شياطين الإنس والجن ؟ :: 1- عن أبي بكر الصديق : ((نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رءوسنا فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهم)) حديث متفق عليه. 

 *الموضوع : 

وهو المشار إليه بقوله تعالى : (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة40 

 * في التفسير الميسر : يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لا تنفروا معه أيها المؤمنون إذا استَنْفَركم .. وإن لا تنصروه .. فقد أيده الله ونصره يوم أخرجه الكفار من قريش من بلده (مكة) .. وهو ثاني اثنين (هو وأبو بكر الصديق رضي الله عنه) وألجؤوهما إلى نقب في جبل ثور "بمكة" ، فمكثا فيه ثلاث ليال , إذ يقول لصاحبه (أبي بكر) لما رأى منه الخوف عليه : لا تحزن إن الله معنا بنصره وتأييده .. فأنزل الله الطمأنينة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأعانه بجنود لم يرها أحد من البشر وهم الملائكة .. فأنجاه الله من عدوه وأذل الله أعداءه .. وجعل كلمة الذين كفروا السفلى . وكلمةُ الله هي العليا .. ذلك بإعلاء شأن الإسلام . والله عزيز في ملكه ، حكيم في تدبير شؤون عباده . ) من التفسير الميسر لجنة علماء بالسعودية .. ولذلك أحب القول : لكل من تؤذيه الشياطين بالتسليط عليه في حالة كشفيه تخيليه .. لا تخاف .. ويجب أن يستمر بالقول (إن الله معنا) ومعناها في خاطره أي مع المؤمنين لا يفارقهم بمدده وتأييده .. فمهما فعلتم أيها الشياطين وأيها الروحانيين من تسليطات روحانية .. فإن الله مع المؤمنين بالنصر والتأييد .

 * فلا يخاف الإنسان بعد ذلك .. ولا يبالي بهم .. لماذا ؟ لأن تعلُّقَة بالمعية الإلهية .. سيترتب عليه إنزال السكينة في القلب .. وحضور ملائكة بالتأييد .. وسيتم قهر الشياطن .. وستنفعل معك الآيات ببركتها .. وكل ذلك لأنك قلت (إن الله معنا) ..!! فهل أنت مع الله .. كما كان النبي وأبو بكر مع الله ؟! ألا تريد مدد الله لك بالسكينة القلبية وإنزال الملائكة عليك بالتأييد ..؟!! 

  الحديث الثاني:


 :: قال : الله ... فأصبح قاهرا بالله :: 2- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه غزا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قِبَل نجد - يعني: ناحية نجد- فلما قفل _"أي رجع"_ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قفل معهم ، فأدركتهم القائلة _" النوم وقت الظهيرة"_ في وادٍ كثير العضاة _"شجر عَظِيم لَهُ شوك "_ فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفرَّق الناس يستظلون بالشجر ونزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت سَمُرة _" من شجر الطلح "_ فعلق بها سيفه، ونمنا نومة ، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعونا، وإذا عنده أعرابي فقال النبي -عليه السلام: إن هذا اخترط _ "سل ورفع " _ علي سيفي وأنا نائم ، ثم قال: الأعرابي: من يمنعك مني يا محمد؟ قلت: الله، ثلاثة. الأعرابي يقولها ثلاثة مرات: من يمنعك مني ؟ والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: الله . ولم يعاقبه وجلس)) الحديث متفق عليه. 

 * الحديث جاء بعد ذلك في روايات أخرى .. ((فوقع السيف من يد الرجل، فأخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده وقال: من يمنعك مني يا رجل ؟ فقال الرجل: يا محمد كُن خير آخذ (يقصد العفو من النبي) ، فإذا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يأسره ويقدّمه لأصحابه)). الشاهد من الحديث .. هو استعانة النبي بالله .. مع صدق توكله على الله .. حتى ارتجف الرجل من يقين النبي في مولاه .. فوقع السيف منه ..!! فقد قهره النبي بإسم (الله) 

هكذا يأمرنا رسول الله .. فماذا فعلنا ؟

 ( قبل أن تقوم قيامتنا ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - :" كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ ، وَأَصْغَى سَمْعَهُ وَحَنَا جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ أَنْ يَنْفُخَ فَيَنْفُخَ "،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ:" قُولُوا : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا " 

 * حديث : مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ( قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا الصُّورُ : قَالَ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ ) 

 * قال الشيخ بن الملك رحمه الله : "كيف أَنْعَمُ"؛ أي: كيف أتنعم؟ وقيل: كيف أفرح؟ "وصاحبُ الصور قد التقمه"؛ أي: وضع طرف الصور في فيه. "وأصغى سمعه"؛ أي: أمال أذنه. "وحنى جبهته"؛ أي: أمالها ينتظر. "متى يُؤمَرُ بالنفخ، فقالوا: يا رسول الله! وما تأمرنا؟ قال: قولوا: حسبنا الله": وهو مبتدأ، خبره (حسبنا)؛ أي: كافينا. "ونعم الوكيل"؛ أي: نعم الموكول إليه الله، فعيل بمعنى: مفعول، والمخصوص بالمدح محذوف. شرح المصابيح لابن الملك ج6 ص24 

 * قال الشيخ القاضي البيضاوي رحمه الله : معناه : كيف يطيب عيشي وقد قرب أن ينفخ في الصور ، فكنى عن ذلك بأن صاحب الصور وضع رأس الصور في فمه ، وهو مترصد مترقب لأن يؤمر فينفخ فيه .. والله أعلم. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة ج3 ص392 

 * قال الشيخ أبو بكر الكلاباذي رحمه الله : فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَالتَّبَرُّؤِ مِنَ الْحَوْلِ، وَالْقُوَّةِ، وَالنَّظَرِ إِلَى أَفْعَالِهِمْ، وَالِاعْتِمَادِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَالسُّكُونِ إِلَى شَيْءٍ دُونَ اللَّهِ فِي أَحْوَالِهِمْ .. أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا غَيَّرُوا، وَأَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ، وَتَثَاقَلُوا فِي نُفُوسِهِمْ، لَمْ يَدُلَّهُمْ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، وَلَا أَمَرَهُمْ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِمْ، يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ .. بَلْ رَدَّهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَصَرَفَهُمْ عَمَّا سِوَاهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ: " قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ " إِظْهَارًا لِلِافْتِقَارِ، وَإِقْرَارًا بِالِاضْطِرارِ، وَأَنَّهُ لَا نَجَاةَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَلَا مَفَرَّ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات: 50] بحر الفوائد المشهور بمعاني الأخبار ص138 ولازال البعض يبحث عن طلب الجن والعفريت والشيطان .. وغافل عن محاربة النفس وطلب الله وعن قيام قيامته !! 

 والله أعلم اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم